مَفْهُوم
الجَوْدَة الشَّامِلَة فِي التَّعْلِيْم
إِنَّ الجَوْدَةَ مَفْهُوْمٌ مُتَعَدِّدُ
الجَوَانِبِ يَصْعُبُ حَصْرُهُ فِي دَائِرَةٍ ضَيِّقَةٍ لِاشْتِمَالِه عَلَى
أَبَعَادٍ مُخْتَلِفَةٍ تَضُمُّ مَفَاهِيَمَ فَنِّيَّةً وَإِدَارِيَّةً
وَسُلُوْكِيَّةً وَاجْتِمَاعِيَّةً، لَعَلَّ أَبْرَزَهَا المُسَاوَاةُ،
وَالفَاعِلِيَّةُ، وَالمُلاءَمَةُ، وَسُهُولَةُ المَنَالِ، وَالقَبُوْلُ،
وَالكِفَايَةُ (Shaw, 1996, p.11)،وَنَظَرَاً لِتَعَدُّدِ
مَفَاهِيَمُ الجَوْدَةِ الشَّامِلَةِ، فَقَدْ حَاوَلَ العُلَمَاءُ
وَالمُتَخَصِّصُوْنَ التَّمْيِيْزَ بَيْنَ خَمْسَةِ مَدَاخِلٍ لِتَعْرِيْفِ
الجَوْدَةِ الشَّامِلَةِ هِيَ: المَدْخَلُ المَبْنِيُّ عَلَى أَسَاسِ التَّفَوْقِ،
وَالمَدْخَلُ المَبْنِيُّ عَلَى أَسَاسِ المُسْتَفِيْدِ، وَالمَدْخَلُ المَبْنِيُّ
عَلَى أَسَاسِ القِيْمَةِ، وَالمَدْخَلُ المَبْنِيُّ عَلَى أَسَاسِ المُنْتَجِ،
وَالمَدْخَلُ المَبْنِيُّ عَلَى أَسَاسِ التَّصْنِيْعِ .
إنَّ مَفْهُوْمَ الجَوْدَةِ الشَّامِلَةِ
فِي التَّعْلِيْمِ لَهُ مَعْنَيَانِ مُتَرَابِطَانِ : أَحَدُهُمَا وَاقِعِيٌّ
وَالآخَرُ حِسِّيٌّ. وَالجَوْدَةُ بِمَعْنَاهَا الوَاقِعِيِّ تَعْنِي التِزَامَ
المُؤَسَّسَةُ التَّعْلِيْمِيَّةُ بِإِنْجَازِ مُؤَشِّرَاتٍ، وَمَعَايِيْرٍ حَقِيْقِيَّةٍ
مُتَعَارَفٍ عَلِيْهَا مِثْلُ: مُعَدَّلَاتِ التَّرْفِيْعِ، وَمُعَدَّلَاتِ
الكِفَايَةِ الدَّاخِلِيَّةِ الكَمْيَّةِ، وَمُعَدَّلَاتِ تِكْلُفَةِ
التَّعْلِيْمِ، أَمَّا المَعْنَى الحِسِّيُّ لِلْجَوْدَةِ فِيتَرَكِّزُ عَلَى
مَشَاعِرِ مُتَلَقِّي الخِدْمَةِ التَّعْلِيْمِيَّةِ وَأَحَاسِيْسِهُ كَالطُّلَابِ
وَأَوْلِيَاءِ أُمُوْرِهِمُ، وَيُعَبِّرُ عَنْ مَدَى رِضَا المُسْتَفِيْدِ مِنَ
التَّعْلِيْمِ بِمُسْتَوَى كِفَايَةِ الخِدْمَةِ التَّعْلِيْمِيَّةِ وَفَاعِلِيَّتِهَا، فَعِنْدَمَا يَشْعُرُ المُسْتَفِيْدُ أَنَّ مَا
يُقَدَّمُ لَهُ مِنْ خَدَمَاتٍ يُنَاسِبُ تَوَقُّعَاتِهِ وَيُلَبِّي
احْتِيَاجَاتِهِ الذَّاتِيّةِ، يُمْكِنُ القَوْلَ أَنَّ المُؤَسَّسَةَ
التَّعْلِيْمِيَّةَ قَدْ نَجَحَتْ فِي تَقْدِيْمِ الخِدْمَةِ التَّعْلِيْمِيَّةِ
بِمُسْتَوَى جَوْدَةٍ يُنَاسِبُ التَّوَقُّعَاتِ وَالمَشَاعِرَ الحِسَّيَّةَ؛
لذَلِكَ المُسْتَفِيْدِ، وَأَنَّ جَوْدَةَ خَدَمَاتِهَا قَدْ ارْتَفَعَتْ إِلَى
مُسْتَوَى تَوَقُّعَاتِهِ، وَهَذَا يَتَطَلَّبُ مِنَ الخُبَرَاءِ وَالمُشْرِفِيْنَ
وَالتَّرْبَوِيينَ التَّثَبُّتَ مِنْ تَوَافِقِ مُوَاصَفَاتِ الخِدْمَةِ
التَّعْلِيْمِيَّةِ مَعَ تَوَقُّعَاتِ المُسْتَفِيْدِ، وَفِي حَالَةِ وُجُوْدِ
فَجْوَةٍ بَيْنَ المُوَاصَفَاتِ وَالتَّوَقُّعَاتِ فَيَجِبُ تَحْدِيْدَ
أَبْعَادِهِا وَأَسْبَابِهَا، وَالعَمَلَ عَلَى تَجَاوِزِهَا بِاتِّخَاذِ كَافَّةِ
الإِجْرَاءاتِ التَّصْحِيْحِيَّةِ المُنَاسِبَةِ . فَالجَوْدَةُ فِي الاقْتِصَادِ
المُعَاصِرِ "لَا تَعْنِي إِنْتَاجَ سِلْعَةٍ أَوْ خِدْمَةٍ أَفَضَلَ مِنْ
نَظِيْرَتِهَا المُتَاحَةِ، وَإِنَّمَا رِضَا المُسْتَفِيْدِيْنَ عَنِ السَّلْعَةِ
أَوْ الخِدْمَةِ" .
إِنَّ مَفْهُوْمَ الجَوْدَةِ وِفْقَاً لِمَا
تَمَّ الاتِّفَاقُ عَلِيْهِ فِي مُؤْتَمَرِ اليونسكو لِلْتَعْلِيْمِ الَّذِي
أُقِيْمَ فِي بَارِيْسَ فِي أُكْتُوْبَرَ ( 1998 ) يَنِصُّ عَلَى: أَنَّ
الجَوْدَةَ فِي التَّعْلِيْمِ العَالِيِّ مَفْهُوْمٌ مُتَعَدِّدُ الأَبْعَادِ
يَنْبَغِي أَنْ يَشْمُلَ وَظَائِفَ التَّعْلِيْمِ وَأَنْشِطَتَهُ جَمِيْعَهَا
مِثْلَ :-
- المَنَاهِجِ
الدِّرَاسِيَّةِ.
-البَرَامِجِ التَّعْلِيْمِيَّةِ.
-البُحُوْثِ العِلْمِيَّةِ.
-الطُّلَّابِ.
-المَبَانِي وَالمَرَافِقِ وَالأَدَوَاتِ .
-تَوْفِيْرِ الخَدَمَاتِ لِلْمُجْتَمَعِ المَحَلِّيِّ .
-التَّعْلِيْمِ الذَّاتِيّ الدَّاخِلِيِّ .
-تَحْدِيْدِ مَعَايِيرٍ مُقَارَنَةٍ لِلْجَوْدَةِ مُعْتَرَفٍ بِهَا
دُوَلِيَّاً .
وَفِي إِطَارِ المَشْرُوْعِ البَرِيْطَانِيِّ
لِلْجَوْدَةِ فِي التَّعْلِيْمِ العَالِيِّ ظَهَرَتْ عِدَّةُ خَصَائِصٍ
لِلْجَوْدَةِ الشَّامِلَةِ فِي التَّعْلِيْمِ مِنْهَا :
أ -إِنَّ الجَوْدَةَ
تُسَاوِي المَقَايِيْسَ المُرْتَفِعَةَ مَهْمَا اخْتَلَفَتِ الفُرُوْقُ بَيْنَ
الطُّلَّابِ وَأَعْضَاءِ هِيَئَةِ التَّدْرِيْسِ وَالإِدَارِيِّيْنَ فِي
التَّعْلِيْمِ.
ب - إِنَّ الجَوْدَةَ تُرَكِّزُ عَلَى الأَدَاءِ بِصُوْرَةٍ صَحِيْحَةٍ مِنْ
طَرِيْقِ تَنْمِيَّةِ الَقُدْرَاتِ الفِكْرِيَّةِ ذَاتَ المُسْتَوَى الأَعْلَى،
وَتَنْمِيَةِ التَّفْكِيْرِ الابْتِكَارِي وَالتَّفْكِيْرِ النَّاقِدِ عِنْدَ
الطُّلَّابِ .
ج - إِنَّ الجَوْدَةَ
تَعْنِي التَّوَافِقُ مَعَ الغَرَضِ الَّذِي تَسْعَى إِلَى تَحْقِيْقِهِ
المُؤَسَّسَةُ التَّعْلِيْمِيَّةُ.
د - إِنَّ الجَوْدَةَ تُشِيْرُ إِلَى عَمَلِيَّةٍ
تَحْوِيْلِيَّةٍ تَرْتَقِي بِقُدْرَاتِ الطَّالِبِ الفِكْرِيَّةِ إِلَى مَرْتَبَةٍ
أعَلَى، وَتَنْظُرُ إِلَى التَّدْرِيْسِيِّ عَلَى أَنّه مُيَسِّرٌ
لِلْعَمَلِيَّةِ التَّعْلِيْمِيَّةِ، وَإِلَى الطَّالِبِ عَلَى أَنَّهُ مُشَارِكٌ
فَاعِلٌ فِي التَّعْلِيْمِ
0 التعليقات:
إرسال تعليق